فصل: قدوم جذام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 ذكر جملة الغزوات

بسم الله الرحمن الرحيم

قال حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ‏:‏ قال ‏:‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ‏:‏

وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين غزوة ، منها غزوة ودان ، وهي غزوة الأبواء ، ثم غزوة بواط ، من ناحية رضوى ، ثم غزوة العشيرة ، من بطن ينبع ، ثم غزوة بدر الأولى ، يطلب كرز بن جابر ، ثم غزوة بدر الكبرى ، التي قتل الله فيها صناديد قريش ، ثم غزوة بني سليم ، حتى بلغ الكدر ، ثم غزوة السويق ، يطلب أبا سفيان بن حرب ، ثم غزوة غطفان ، وهي غزوة ذي أمر ، ثم غزوة بحران ، معدن بالحجاز ، ثم غزوة أحد ، ثم غزوة حمراء الأسد ، ثم غزوة بني النضير ، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ، ثم غزوة بدر الآخرة ، ثم غزوة دومة الجندل ، ثم غزوة الخندق ، ثم غزوة بني قريظة ، ثم غزوة بني لحيان من هذيل ، ثم غزوة ذي قرد ، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة ، ثم غزوة الحديبية ، لا يريد قتالا ، فصده المشركون ‏.‏

ثم غزوة خيبر ، ثم غزوة القضاء ، ثم غزوة الفتح ، ثم غزوة حنين ، ثم غزوة الطائف ، ثم غزوة تبوك ‏.‏

قاتل منها في تسع غزوات ‏:‏ بدر ، وأحد ، والخندق ، وقريظة ، والمصطلق ، وخيبر ، والفتح ، وحنين ، والطائف ‏.‏

 ذكر جملة السرايا والبعوث

وكانت بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه ثمانيا وثلاثين ، من بين بعث وسرية ‏:‏ غزوة عبيدة بن الحارث أسفل من ثنية ذي المروة ، ثم غزوة حمزة بن عبدالمطلب ساحل البحر ، من ناحية العيص ؛ وبعض الناس يقدم غزوة حمزة قبل غزوة عبيدة ، وغزوة سعد بن أبي وقاص الخرار ، وغزوة عبدالله بن جحش نخلة ، وغزوة زيد بن حارثة القردة ، وغزوة محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف ، وغزوة مرثد بن أبي مرثد الغنوي الرجيع ، وغزوة المنذر بن عمرو بئر معونة ، وغزوة أبي عبيدة بن الجراح ، ذا القصة ،من طريق العراق ‏.‏

وغزوة عمر بن الخطاب تربة من أرض بني عامر ، وغزوة علي بن أبي طالب اليمن ، وغزوة غالب بن عبدالله الكلبي ،كلب ليث ، بالكديد ، فأصاب بني الملوح ‏.‏

 غزوة غالب بن عبدالله الليثي بني الملوح

وكان من حديثها أن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ،حدثني عن مسلم بن عبدالله بن خبيب الجهني ، عن المنذر عن جندب بن مكيث الجهني ، قال ‏:‏

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبدالله الكلبي ، كلب بن عوف ابن ليث ، في سرية كنت فيها ، وأمره أن يشن الغارة على بني الملوح ، وهم بالكديد ، فخرجنا حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن مالك ، وهو ابن البرصاء الليثي ، فأخذناه ، فقال ‏:‏

إني جئت أريد الإسلام ما خرجت إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقلنا له ‏:‏ إن تك مسلماً فلن يضيرك رباط ليلة ، وإن تك على غير ذلك كنا قد استوثقنا منك ، فشددناه رباطاً ثم خلفنا عليه رجلا من أصحابنا أسود ، وقلنا له ‏:‏ إن عازك فاحتز رأسه ‏:‏

 ما فعله ابن مكيث في هذه الغزوة

قال ‏:‏ ثم سرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس ، فكنا في ناحية الوادي وبعثني أصحابي ربيئة لهم ، فخرجت حتى أتى تلا مشرفا على الحاضر ، فأسندت فيه ، فعلوت على رأسه ، فنظرت إلى الحاضر ، فوالله إني لمنبطح على التل ، إذ خرج رجل منهم من خبائه ، فقال لامرأته ‏:‏ إني لأرى على التل سواداً ما رأيته في أول يومي ، فانظري إلى أوعيتك هل تفقدين منها شيئاً ، لا تكون الكلاب جرت بعضها ‏.‏

قال ‏:‏ فنظرت ، فقالت ‏:‏ لا ، والله ما أفقد شيئاً ، قال فناوليني قوسي وسهمين ، فناولته ، قال ‏:‏ فأرسل سهماً فوالله ما أخطأ جنبي ، فأنزعه ، فأضعه ، وثبت مكاني ، قال ‏:‏ ثم أرسل الآخر ، فوضعه في منكبي ، فأنزعه فأضعه ، وثبت مكاني ، فقال لامرأته ‏:‏ لو كان ربيئة لقوم لقد تحرك ، لقد خالطه سهماي ، لا أبا لك ، إذا أصبحت فابتغيهما ، فخذيهما ، لا يمضغهما علي الكلاب ‏.‏ قال ‏:‏ ثم دخل ‏.‏

 غنائم المسلمين في هذه الغزوة

قال ‏:‏ وأمهلناهم ، حتى إذا اطمأنوا وناموا ، وكان في وجه السحر ، شننا عليهم الغارة ، قال ‏:‏ فقتلنا واستقنا النعم ، وخرج صريخ القوم فجاءنا دهم لا قبل لنا به ، ومضينا بالنعم ، ومررنا بابن البرصاء وصاحبه ‏.‏ فاحتملناهما معنا ؛ قال ‏:‏ وأدركنا القوم ، حتى قربوا منا ، قال ‏:‏ فما بيننا وبينهم إلا وادي قديد ، فأرسل الله الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك وتعالى ، من غير سحابة نراها ، ولا مطر ، فجاء بشيء ليس لأحد به قوة ، ولا يقدر على أن يجاوزه ، فوقفوا ينظرون إلينا ، وإنا لنسوق نعمهم ، ما يستطيع منهم رجل أن يجيز إلينا ، ونحن نحدوها سراعاً ، حتى فتناهم ، فلم يقدروا على طلبنا ‏.‏

قال ‏:‏ فقدمنا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

 شعار المسلمين في هذه الغزوة

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني رجل من أسلم ، عن رجل منهم ‏:‏

أن شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تلك الليلة ‏:‏ أمت أمت ‏.‏ فقال راجز من المسلمين وهو يحدوها ‏:‏

أبى أبو القاسم أن تعزبي * في خضل نباته مغلولب

صفرا أعاليه كلون المذهب *

قال ابن هشام ‏:‏ويروى ‏:‏ ‏(‏ كلون الذهب ‏)‏ تم خبر الغزاة ، وعدت إلى ذكر تفاصيل السرايا والبعوث ‏.‏

 تعريف ببعض الغزوات

قال ابن إسحاق ‏:‏

وغزوة على بن أبي طالب رضى الله عنه بني عبدالله بن سعد من أهل فدك ،وغزوة أبي العوجاء السلمي أرض بني سليم ، أصيب بها هو وأصحابه جميعاً ، وغزوة عكاشة بن محصن الغمرة ، وغزوة أبي سلمة بن عبدالأسد قطنا ، ماء من مياه بني أسد ، من ناحية نجد ، قتل بها مسعود بن عروة ، وغزوة محمد بن مسلمة أخي بني حارثة ، القرطاء من هوزان ، وغزوة بشير بن سعد بني مرة بفدك ، وغزوة بشير بن سعد ، ناحية خيبر ، وغزوة زيد بن حارثة الجموم ، من أرض بني سليم ، وغزوة زيد بن حارثة ، جذام من أرض خشين ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏عن نفسه والشافعي عن عمرو بن حبيب عن ابن إسحاق من أرض حسمى ‏.‏

 غزوة زيد بن حارثة إلى جذام

قال ابن إسحاق ‏:‏

وكان من حديثهما كما حدثني من لا أتهم ، عن رجال من جذام ، كانوا علماء بها ، أن رفاعة بن زيد الجذامي ، لما قدم على قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الإسلام ، فاستجابوا له ، لم يلبث أن قدم دحية ابن خليفة الكلبي من عند قيصر صاحب الروم ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه معه تجارة له ، حتى إذا كانوا بواد من أوديتهم ، يقال له ‏:‏ شنار أغار على دحية بن خليفة الهنيد بن عوص ، وابنة عوص بن الهنيد الضلعيان ‏.‏

والضليع ‏:‏ بطن من جذام ، فأصابا كل شيء كان معه ، فبلغ ذلك قوما من الضبيب ، رهط رفاعة بن زيد ، ممن كان أسلم وأجاب ، فنفروا إلى الهنيد وابنه ، فيهم من بني الضبيب النعمان بن أبي جعال ، حتى لقوهم ، فاقتتلوا ، وانتمى يومئذ قرة بن أشقر الضفاري ثم الضلعي ، فقال ‏:‏

أنا ابن لبنى ، ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم ، فأصاب ركبته ؛ فقال ‏:‏ حين أصابه ‏:‏خذها وأنا ابن لبنى ، وكانت له أم تدعى لبنى ، وقد كان حسان بن ملة الضبيني قد صحب دحية بن خليفة قبل ذلك ، فعلمه أم الكتاب ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ويقال ‏:‏ قرة بن أشقر الضفاري ، وحيان بن ملة ‏.‏

 انتصار المسلمين

قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني من لا أتهم عن رجال من جذام قال فاستنقذوا ما كان في يد الهنيد وابنه ، فردوه على دحية ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبره ، واستسقاه دم الهنيد وابنه ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم زيد بن حارثة ، وذلك الذي هاج غزوة زيد جذام ، وبعث معه جيشا ، وقد وجهت غطفان من جذام ووائل ، ومن كان من سلامان ، وسعد بن هذيم ، حين جاءهم رفاعة بن زيد ، بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزلوا الحرة ‏:‏

حرة الرجلاء ، ورفاعة بن زيد بكراع ربة ، لم يعلم ، ومعه ناس من بني الضبيب ، وسائر بني الضبيب ، بوادي مدان ، من ناحية الحرة ، مما يسيل مشرقاً ، وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية الأولاج ، فأغار بالماقص من قبل الحرة ، فجمعوا ما وجدوا من مال أو ناس ، وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الأحنف ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏من بني الأجنف ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ في حديثه ‏:‏

ورجلا من بني الخصيب فلما سمعت بذلك بنو الضبيب والجيش بفيفاء مدان ركب نفر منهم ، وكان فيمن ركب معهم حسان بن ملة ، على فرس لسويد بن زيد ، يقال لها ‏:‏ العجاجة وأنيف بن ملة على فرس لملة يقال لها ‏:‏ رغال ، وأبو زيد بن عمرو ، على فرس يقال لها ‏:‏ شمر ، فانطلقوا ، حتى إذا دنوا من الجيش ، قال أبو زيد وحسان لأنيف بن ملة ‏:‏ كف عنا وانصرف ، فإنا نخشى لسانك ، فوقف عنهما ، فلم يبعدا منه حتى جعلت فرسه تبحث بيديها وتوثب ، فقال ‏:‏

لأنا أضن بالرجلين منك بالفرسين ، فأرخى لها حتى أدركهما ، فقالا له ‏:‏ أما إذا فعلت ما فعلت فكف عنا لسانك ، ولا تشأمنا اليوم ، فتواصوا أن لا يتكلم منهم إلا حسان بن ملة ، وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفها بعضهم من بعض ، إذا أراد أحدهم أن يضرب بسيفه قال ‏:‏ بوري أو ثوري ، فلما برزوا على الجيش ، أقبل القوم يبتدرونهم ، فقال لهم حسان ‏:‏ إنا قوم مسلمون ، وكان أول من لقيهم رجل على فرس أدهم ، فأقبل يسوقهم ‏.‏

فقال أنيف ‏:‏ بوري فقال حسان ‏:‏ مهلا ، فلما وقفوا على زيد بن حارثة ، قال حسان ‏:‏ إنا قوم مسلمون ، فقال له زيد ‏:‏ فاقرءوا أم الكتاب ، فقرأها حسان ، فقال زيد بن حارثة ‏:‏ نادوا في الجيش إن الله قد حرم علينا ثغرة القوم التي جاءوا منها إلا من ختر ‏.‏

 قدوم جذام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏:‏

وإذا أخت حسان بن ملة ، وهي امرأة أبي وبر بن عدي بن أمية بن الضبيب في الأسارى ، فقال له زيد ‏:‏ خذها وأخذت بحقويه ، فقالت أم الفزر الضلعية ‏:‏ أتنطلقون ببناتكم ، وتذرون أمهاتكم ‏؟‏

فقال أحد بني الخصيب ‏:‏ إنها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائر اليوم ، فسمعها بعض الجيش ، فأخبر بها زيد بن حارثة ، فأمر بأخت حسان ، ففكت يداها من حقويه ، وقال لها ‏:‏ اجلسي مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه ‏.‏

فرجعوا ، ونهي الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاؤوا منه ، فأمسوا في أهليهم ، واستعتموا ذودا لسويد بن زيد ، فلما شربوا عتمتهم ركبوا إلى رفاعة بن زيد ، وكان ممن ركب إلى رفاعة بن زيد تلك الليلة ، أبو زيد بن عمرو ،وأبو شماس بن عمرو ، وسويد بن زيد ، وبعجة بن زيد ، وبرذع بن زيد ، وثعلبة بن زيد ، ومخرمة بن عدي ، وأنيف بن ملة ، وحسان بن ملة ، حتى صبحوا رفاعة بن زيد بكراع ربة ، بظهر الحرة ، على بئر هنالك من حرة ليلى ، فقال له حسان بن ملة ‏:‏

إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرها كتابك الذي جئت به ‏!‏ فدعا رفاعة بن زيد بجمل له ، فجعل يشد عليه رحله ، وهو يقول ‏:‏

هل أنت حي أو تنادي حيا *

ثم غدا وهم معه بأمية بن ضفارة أخي الخصيبي المقتول ، مبكرين من ظهر الحرة ، فساروا إلى جوف المدينة ثلاث ليال ، فلما دخلوا المدينة وانتهوا إلى المسجد ، نظر إليهم رجل من الناس ، فقال ‏:‏ لا تنيخوا إبلكم فتقطع أيديهن ، فنزلوا عنهن وهن قيام ، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم ألاح إليهم بيده ‏:‏

أن تعالوا من وراء الناس ، فلما استفتح رفاعة بن زيد المنطق ، قام رجل من الناس ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن هؤلاء قوم سحرة ، فرددها مرتين ، فقال ‏:‏ رفاعة بن زيد رحم الله من لم يحذنا في قومه هذا إلا خيراً ‏.‏

ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له فقال ‏:‏ دونك يا رسول الله قديما كتابه ، حديثاً غدره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏

اقرأه يا غلام ، وأعلن ، فلما قرأ كتابه استخبره ، فأخبروهم الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ كيف اصنع بالقتلى ‏؟‏ ‏(‏ ثلاث مرات ‏)‏ ‏.‏ فقال رفاعة ‏:‏ أنت يا رسول الله أعلم ، لا نحرم عليك حلالاً ولا نحلل لك حراماً ‏.‏

فقال أبو زيد بن عمرو ‏:‏ أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه ‏.‏

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ صدق أبو زيد ، اركب معهم يا علي ‏.‏ فقال له رضى الله عنه ‏:‏ إن زيدا لن يطيعني يا رسول الله ، قال ‏:‏ فخذ سيفي هذا ، فأعطاه سيفه ، فقال علي ‏:‏ ليس لي يا رسول الله راحلة أركبها ، فحملوه على بعير لثعلبة بن عمرو ، يقال له ‏:‏ مكحال ‏.‏

فخرجوا فإذا رسول لزيد بن حارثة على ناقة من إبل أبي وبر ، يقال لها ‏:‏ الشمر ، فأنزلوه عنها ‏.‏

فقال ‏:‏ يا علي ، ما شأني ‏؟‏ فقال ‏:‏ مالهم ،عرفوه فأخذوه ، ثم ساروا فلقوا الجيش بفيفاء الفحلتين ، فأخذوا ما في أيديهم ، حتى كانوا ينزعون لبيد المرأة من تحت الرحل ، فقال أبو جعال حين فرغوا من شأنهم ‏:‏

وعاذلة ولم تعذل بطب * ولولا نحن حش بها السعير

تدافع في الأسارى بابنتيها * ولا يرجى لها عتق يسير

ولو وكلت إلى عوص وأوس * لحار بها عن العتق الأمور

ولو شهدت ركائبنا بمضر * تحاذر أن يعل بها المسير

وردنا ماء يثرب عن حفاظ * لربع إنه قرب ضرير

بكل مجرب كالسيد نهد * على أقتاد ناجية صبور

فدى لأبي سليمى كل جيش * بيثرب إذ تناطحت النحور

غداة ترى المجرب مستكينا * خلاف القوم هامته تدور

قال ابن هشام ‏:‏قوله ‏:‏ ‏(‏ ولا يرجى لها عتق يسير ‏)‏ وقوله ‏:‏ ‏(‏ عن العتق الأمور ‏)‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏

تمت الغزاة ، وعدنا إلى تفصيل ذكر السرايا والبعوث

 غزوة زيد الطرف

قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة زيد بن حارثة أيضا الطرف من ناحية نخل ، من طريق العراق ‏.‏

غزوة زيد بن حارثة بني فزارة

وغزوة زيد بن حارثة أيضا وادي القرى ، لقي به بني فزارة ، فأصيب بها ناس من أصحابه ، وارتث زيد من بين القتلى ، وفيها أصيب ورد بن عمرو بن مداش ، وكان أحد بني سعد بن هذيل ، أصابه أحد بني بدر ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏سعد بن هذيم ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما قدم زيد بن حارثة إلى أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة ، فلما استبل من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني فزارة في جيش فقتلهم بوادي القرى ، وأصاب فيهم ، وقتل قيس بن المسحر اليعمري مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر ، وأسرت أم قرفة ، فاطمة بنت ربيعة بن بدر ، كانت عجوزاً كبيرة عند مالك بن حذيفة بن بدر ، وبنت لها ،وعبدالله بن مسعدة ، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل أم قرفة ، فقتلها قتلاً عنيفاً ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة ،وبابن مسعدة ‏.‏

وكانت بنت أم قرفة لسلمة بن عمرو بن الأكوع ، كان هو الذي أصابها ، وكانت في بيت شرف من قومها ، كانت العرب تقول ‏:‏ ‏(‏ لو كنت أعز من أم قرفة ما زدت ‏)‏ فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة ، فوهبها له ، فأهداها لخاله حزن بن أبي وهب ، فولدت له عبدالرحمن بن حزن ‏.‏

فقال قيس بن المسحر في قتل مسعدة ‏:‏

سعيت بورد مثل سعي ابن أمه * وإني بورد في الحياة لثائر

كررت عليه المهر لما رأيته * على بطل من آل بدر مغاور

فركبت فيه قعضبيا كأنه * شهاب بمعراة يذكى لناظر

 غزوة عبدالله بن رواحة لقتل اليسير بن رزام

وغزوة عبدالله ابن رواحة خيبر مرتين ، إحداهما التي أصاب فيها اليسير بن رزام ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ويقال بن رازم ‏.‏

وكان من حديث اليسير بن رزام أنه كان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة في نفر من أصحابه ، منهم عبدالله بن أنيس ، حليف بني سلمة ، فلما قدموا عليه كلموه ، وقربوا له ، وقالوا له ‏:‏ إنك إن قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملك وأكرمك ، فلم يزالوا به حتى خرج معهم في نفر من يهود ، فحمله عبدالله بن أنيس على بعيره ‏.‏

حتى إذا كان بالقرقرة من خيبر ، على ستة أميال ، ندم اليسير بن رزام على مسيره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففطن به عبدالله بن أنيس وهو يريد السيف ، فاقتحم به ، ثم ضربه بالسيف ، فقطع رجله ، وضربه اليسير بمخرش في يده من شوحط فأمه ، ومال كل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه من يهود فقتله ، إلا رجلا واحدا أفلت على رجليه ، فلما قدم عبدالله بن أنيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تفل على شجته ، فلم تقح ولم تؤذه ‏.‏

 غزوة ابن عتيك خيبر

غزوة عبدالله بن عتيك خيبر ، فأصاب بها أبا رافع بن أبي الحقيق ‏.‏

 غزوة عبدالله بن أنيس لقتل خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي

وغزوة عبدالله بن أنيس خالد بن سفيان بن نبيح ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وهو بنخلة أو بعرنة ، يجمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ليغزوه ، فقتله ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال ‏:‏ قال عبدالله بن أنيس ‏:‏

دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ إنه قد بلغني أن ابن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني ، وهو بنخلة أو بعرنة ، فأته فاقتله ‏.‏

قلت ‏:‏ يا رسول الله ، انعته لي حتى أعرفه ‏.‏ قال ‏:‏ إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان ، وآية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة ‏.‏

قال ‏:‏ فخرجت متوشحاً سيفي ، حتى دفعت إليه وهو في ظعن يرتاد لهن منزلا ، وحيث كان وقت العصر ، فلما رأيته وجدت ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة ، فأقبلت نحوه وخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة ، فصليت وأنا أمشى نحوه وأومي برأسي ‏.‏

فلما انتهيت إليه ، قال ‏:‏ من الرجل ‏؟‏ قلت ‏:‏ رجل من العرب ، سمع بك وبجمعك لهذا الرجل ، فجاءك لذلك ‏.‏

قال ‏:‏ أجل إني لفي ذلك ، قال ‏:‏ فمشيت معه شيئاً حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف ، فقتلته ثم خرجت ، وتركت ظعائنه منكبات عليه ، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني ، قال ‏:‏ أفلح الوجه ؛ قلت ‏:‏ قد قتلته يا رسول الله ، قال ‏:‏ صدقت ‏.‏

 الرسول يهدي عصا لابن أنيس

ثم قام بي فأدخلني بيته فأعطاني عصا ، فقال ‏:‏ أمسك هذه العصا عندك يا عبدالله بن أنيس ، قال ‏:‏ فخرجت بها على الناس ، فقالوا ‏:‏ ما هذه العصا ‏؟‏ قلت ‏:‏ أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمرني أن أمسكها عندي ، قالوا ‏:‏ أفلا ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسأله لم ذلك ‏؟‏

قال ‏:‏ فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، لم أعطيتني هذه العصا ‏؟‏ قال ‏:‏ آية بيني وبينك يوم القيامة ‏.‏ إن أقل الناس المتحضرون يومئذ ، قال ‏:‏ فقرنها عبدالله بن أنيس بسيفه ، فلم تزل معه حتى مات ، ثم أمر بها فضمت في كفنه ، ثم دفنا جميعا ‏.‏

 شعر ابن أنيس في قتله ابن نبيح

قال ابن هشام ‏:‏وقال عبدالله ابن أنيس في ذلك ‏:‏

تركت ابن ثور كالحوار وحوله * نوائح تفري كل جيب مقدد

تناولته والظعن خلفي وخلفه * بأبيض من ماء الحديد مهند

عجوم لهام الدارعين كأنه * شهاب غضى من ملهب متوقد

أقول له والسيف يعجم رأسه * أنا ابن أنيس فارسا غير قعدد

أنا ابن الذي لم ينزل الدهر قدره * رحيب فناء الدار غير مزند

وقلت له خذها بضربة ماجد * حنيف على دين النبي محمد

وكنت إذا هم النبي بكافر * سبقت إليه باللسان وباليد

تمت الغزاة ، وعدنا إلى خبر البعوث ‏.‏

 بعض غزوات أخر

قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، و عبدالله بن رواحة ، مؤتة من أرض الشام ، فأصيبوا بها جميعا ، وغزوة كعب بن عمير الغفاري ، ذات أطلاح إلى أرض الشام ، أصيب بها هو وأصحابه جميعا ، وغزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بني العنبر من بني تميم ‏.‏